Muslim Library

تفسير ابن كثر - سورة القصص - الآية 78

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) (القصص) mp3
يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ جَوَاب قَارُون لِقَوْمِهِ حِين نَصَحُوهُ وَأَرْشَدُوهُ إِلَى الْخَيْر " قَالَ إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي " أَيْ أَنَا لَا أَفْتَقِر إِلَى مَا تَقُولُونَ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا أَعْطَانِي هَذَا الْمَال لِعِلْمِهِ بِأَنِّي أَسْتَحِقّهُ وَلِمَحَبَّتِهِ لِي فَتَقْدِيره إِنَّمَا أَعْطَيْته لِعِلْمِ اللَّه فِي أَنِّي أَهْل لَهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَان ضُرّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَة مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم " أَيْ عَلَى عِلْم مِنْ اللَّه بِي وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَة مِنَّا مِنْ بَعْد ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي " أَيْ هَذَا أَسْتَحِقّهُ : وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّهُ أَرَادَ " إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي " أَيْ أَنَّهُ كَانَ يُعَانِي عِلْم الْكِيمْيَاء وَهَذَا الْقَوْل ضَعِيف لِأَنَّ عِلْم الْكِيمْيَاء فِي نَفْسه عِلْم بَاطِل لِأَنَّ قَلْب الْأَعْيَان لَا يَقْدِر أَحَد عَلَيْهَا إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّه تَعَالَى : " يَا أَيّهَا النَّاس ضُرِبَ مَثَل فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللَّه لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اِجْتَمَعُوا لَهُ " وَفِي الصَّحِيح أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَقُول اللَّه وَمَنْ أَظْلَم مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُق كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّة فَلْيَخْلُقُوا شَعِيرَة " وَهَذَا وَرَدَ فِي الْمُصَوِّرِينَ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّه فِي مُجَرَّد الصُّورَة الظَّاهِرَة أَوْ الشَّكْل فَكَيْف بِمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ يُحِيل مَاهِيَّة هَذِهِ الذَّات إِلَى مَاهِيَّة ذَات أُخْرَى هَذَا زُور وَمُحَال وَجَهْل وَضَلَال وَإِنَّمَا يَقْدِرُونَ عَلَى الصَّبْغ فِي الصُّورَة الظَّاهِرَة وَهِيَ كَذِب وَزَغَل وَتَمْوِيه وَتَرْوِيج أَنَّهُ صَحِيح فِي نَفْس الْأَمْر وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَطْعًا لَا مَحَالَة وَلَمْ يَثْبُت بِطَرِيقٍ شَرْعِيّ أَنَّهُ صَحَّ مَعَ أَحَد مِنْ النَّاس مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقَة الَّتِي يَتَعَاطَاهَا هَؤُلَاءِ الْجَهَلَة الْفَسَقَة الْأَفَّاكُونَ فَأَمَّا مَا يُجْرِيه اللَّه سُبْحَانه مِنْ خَرْق الْعَوَائِد عَلَى يَدَيْ بَعْض الْأَوْلِيَاء مِنْ قَلْب بَعْض الْأَعْيَان ذَهَبًا أَوْ فِضَّة أَوْ نَحْو ذَلِكَ فَهَذَا أَمْر لَا يُنْكِرهُ مُسْلِم وَلَا يَرُدّهُ مُؤْمِن وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَبِيل الصِّنَاعَات وَإِنَّمَا هَذَا عَنْ مَشِيئَة رَبّ الْأَرْض وَالسَّمَاوَات وَاخْتِيَاره وَفِعْله كَمَا رُوِيَ عَنْ حَيْوَة بْن شُرَيْح الْمِصْرِيّ رَحِمَهُ اللَّه أَنَّهُ سَأَلَهُ سَائِل فَلَمْ يَكُنْ عِنْده مَا يُعْطِيه وَرَأَى ضَرُورَته فَأَخَذَ حَصَاة مِنْ الْأَرْض فَأَجَالَهَا فِي كَفّه ثُمَّ أَلْقَاهَا إِلَى ذَلِكَ السَّائِل فَإِذَا هِيَ ذَهَب أَحْمَر . وَالْأَحَادِيث وَالْآثَار فِي هَذَا كَثِيرَة جِدًّا يَطُول ذِكْرهَا وَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّ قَارُون كَانَ يَعْرِف الِاسْم الْأَعْظَم فَدَعَا اللَّه بِهِ فَتَمَوَّلَ بِسَبَبِهِ . وَالصَّحِيح الْمَعْنَى الْأَوَّل وَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى رَادًّا عَلَيْهِ فَمَا اِدَّعَاهُ مِنْ اِعْتِنَاء اللَّه بِهِ فِيمَا أَعْطَاهُ مِنْ الْمَال " أَوَلَمْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْله مِنْ الْقُرُون مَنْ هُوَ أَشَدّ مِنْهُ قُوَّة وَأَكْثَر جَمْعًا " أَيْ قَدْ كَانَ مَنْ هُوَ أَكْثَر مِنْهُ مَالًا وَمَا كَانَ ذَلِكَ عَنْ مَحَبَّة مِنَّا لَهُ وَقَدْ أَهْلَكَهُمْ اللَّه مَعَ ذَلِكَ بِكُفْرِهِمْ وَعَدَم شُكْرهمْ وَلِهَذَا قَالَ " وَلَا يُسْأَل عَنْ ذُنُوبهمْ الْمُجْرِمُونَ " أَيْ لِكَثْرَةِ ذُنُوبهمْ. قَالَ قَتَادَة : " عَلَى عِلْم عِنْدِي " عَلَى خَيْر عِنْدِي وَقَالَ السُّدِّيّ عَلَى عِلْم أَنِّي أَهْل لِذَلِكَ . وَقَدْ أَجَادَ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة الْإِمَام عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَم فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : " قَالَ إِنَّمَا أُوتِيته عَلَى عِلْم عِنْدِي " قَالَ لَوْلَا رِضَا اللَّه عَنِّي وَمَعْرِفَته بِفَضْلِي مَا أَعْطَانِي هَذَا الْمَال وَقَرَأَ " أَوَلَمْ يَعْلَم أَنَّ اللَّه قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْله مِنْ الْقُرُون مَنْ هُوَ أَشَدّ مِنْهُ قُوَّة وَأَكْثَر جَمْعًا " الْآيَة . وَهَكَذَا يَقُول مَنْ قَلَّ عِلْمه إِذَا رَأَى مَنْ وَسَّعَ اللَّه عَلَيْهِ لَوْلَا أَنْ يَسْتَحِقّ ذَلِكَ لَمَا أُعْطِيَ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • التحذير من البدع

    التحذير من البدع: كتيب لطيف للشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - ويحتوي على 4 رسائل، وهي: حكم الاحتفال بالمولد، حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان، تنبيه على كذب الوصية المنسوبة للشيخ أحمد خادم الحرم النبوي الشريف.

    الناشر: موقع الإسلام http://www.al-islam.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/102352

    التحميل:

  • الإبانة عن أسباب الإعانة على صلاة الفجر وقيام الليل

    الإبانة عن أسباب الإعانة على صلاة الفجر وقيام الليل: رسالةٌ تناولت فيها المؤلفة المحاور التالية: تهاوُن الناسِ في صلاة الفجر، والترغيب في حضور الفجر جماعةً والترهيب من تركها، وفضل قيام الليل، وما يعودُ على المسلم من قيام الليل في الدنيا والآخرة، والأسباب المعينة على قيام الليل، والترهيب من ترك قيام الليل، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل، وبعض الآثارِ عن السَّلفِ الصّالح في قيام الليل.

    الناشر: دار ابن خزيمة - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/314989

    التحميل:

  • روح وريحان

    قالت المؤلفة: من خلال اطلاعي على كتب التفسير المختلفة، وأساليب حفظ القرآن الكريم المتنوعة، أدركت أهمية المعنى وترابط الأفكار في السور في تسهيل وتيسير الحفظ ، حيث أن الإنسان يبقى في ذهنه التصور العام للآيات مهما تمادى به الزمن وإن لم يراجعها بإذن الله تعالى، فعكفت على جمع الموضوعات الأساسية لكل سورة على حدة مستعينة بكتب التفاسير القيّمة ، وقمت بصياغتها بشكل متسلسل مترابط على شكل نقاط متتابعة وأفكار متكاملة، تيسيرا على المسلم الباحث عن وسيلة مبسّطة تعينه على الإلمام بجوّ السورة العام في وقت مقتضب، وكذلك لمساعدة طلاب حلقات القرآن الكريم على تثبيت حفظهم للسور بمراجعتهم لأهم موضوعاتها ومعانيها.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/371330

    التحميل:

  • الأذان والإقامة في ضوء الكتاب والسنة

    الأذان والإقامة في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في «الأذان والإقامة» بيَّنت فيها بإيجاز: حكم الأذان والإقامة، ومفهومهما، وفضل الأذان، وصفته، وآداب المؤذن، وشروط الأذان والمؤذن، وحكم الأذان الأول قبل طلوع الفجر، ومشروعية الأذان والإقامة لقضاء الفوائت والجمع بين الصلاتين، وفضل إجابة المؤذن،وحكم الخروج من المسجد بعد الأذان، وكم بين الأذان والإقامة؛ كل ذلك مقرونًا بالأدلة».

    الناشر: المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/1920

    التحميل:

  • أعمال القلوب [ الرجاء ]

    الرجاء حاد يحدو بالراجي في سيره إلى الله; ويطيّب له المسير; ويحثه عليه; ويبعثه على ملازمته; فلولا الرجاء لما سار أحد: فإن الخوف وحده لا يحرك العبد; وإنما يحركه الحب; ويزعجه الخوف; ويحدوه الرجاء.

    الناشر: موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/340021

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة